الحريري باللون الأحمر. «بيروت مدينتي» باللون الأبيض. «المشاريع» باللون الأصفر. شربل نحّاس لا لون له على الطرقات. لا ماكينة انتخابية له. لا «بنوك» معه. لن تصدمه النتائج. يريد أن يُراكِم... وقد فعلها
صباحاً، ركب شربل نحّاس حافلته الشهيرة وانطلق. إلى الأشرفيّة. أسقط الورقة في صندوق الاقتراع، دردش قليلاً، ثم قصد وسط بيروت. من هناك سيتابع مجريات اليوم الانتخابي. هنا المركز، في الطبقة الرابعة من مبنى النهار، خالٍ من "السندويشات" الانتخابيّة.
يوجد قهوة، لكن ما من فناجين هنا، فـ"دبّر راسك". يوجد ماء طبعاً. ما من طيّبات هنا. إنه المركز الانتخابي الذي يفوز، بجدارة، بالميداليّة الذهبيّة في الحالة "الفقريّة". قليل الحظ، بمعنى ما، من يتكفّل تغطية أيّ نشاط لشربل نحّاس. لا يوجد ماكينة انتخابيّة، كما نعرفها عند الآخرين، هنا. مجموعة متطوّعين، لا يزيدون على عشرين شخصاً، يساعدونه تقنيّاً. متطوّعون حقيقيّون، ليست مزحة، وقد يُتفهّم من لا يُصدّق ذلك. لا بدّ لك من أن تأتي إلى هنا حتى تعرف ما الذي يحصل. لكن لماذا؟ ببساطة، لأن نحّاس لا يملك "جيشاً" من المندوبين، كبقيّة المرشحين، لينتشروا في مراكز الاقتراع. أكثر من مئة مركز، في بيروت، لم يستطع رفاقه الانتشار إلا في نحو عشرة منها. لكلّ مركز منها شخص واحد من مندوبيه، فيما للآخرين، يعني لسعد الحريري و"بيارتته" مثلاً، مئات، بل ربما آلاف، العاملين في المراكز والمنتشرين على الطرقات، بل عند كلّ "زاموقة" في بيروت. لقد ملأ هؤلاء شوارع العاصمة، أمس، بثيابهم الحمراء. أما الخصم الآخر، أي لائحة "بيروت مدينتي"، فكانت تنافس بيارتة الحريري بأعداد لا بأس بها، إنّما بثياب بيضاء. لم ينافسهما في الظهور على الأرض، من خارج الاصطفاف التقليدي، سوى أصحاب الثياب الصفراء، الكلام هنا عن أتباع "جمعيّة المشاريع الخيريّة الإسلاميّة". معارك الألوان كانت محتدمة بصريّاً في الشوارع. وحده شربل نحّاس بلا لون. لا وجود لأي "تي شيرت" عليها اسمه، ولا اسم أيّ من رفاقه الثلاثة في لائحة "مواطنون ومواطنات في دولة".
يدخل أحدهم إلى المركز، يحمل كيساً لـ"سبينيس" فيه بعض الأغراض، فينتبه نحّاس ثم يمازحه قائلاً: "له له، خبّيهم هول". المشكل قديم بين نحّاس و"سبينيس". خلفيته تضامنه مع عمّال "مظلومين" كان يعملون في تلك المؤسسة القويّة والنافذة، وصل بها إلى القضاء والمحاكم، ضد ربّ العمل "الظالم". تُريد أن تكون كذلك فسوف تكون صاحب حملة انتخابية فقيرة، تلقائياً. هذا هو القانون الذي يحكم بلادنا. يأتي وزير الداخلية الأسبق زياد بارود إلى المركز، ملقياً كلمة على الهواء مباشرة، متضامناً مع نحّاس، لكنه سيتضامن أيضاً مع لائحة "بيروت مدينتي". لا بأس. لا أحد من "الكبار" مع نحّاس تماماً. لا فريق "14 آذار" ولا فريق "8 آذار". يعني "التيار الوطني الحر" و"حركة أمل" مع لائحة الحريري. مرشحوهم ضمن لائحته أصلاً. حزب الله نأى بنفسه عن الانخراط في معركة بلديّة بيروت. خاضها على مستوى المخاتير فقط. يعرف نحّاس أن شارع الحزب، أو بعضه، يكنّ له الود.
يعرف نحاس أن شارع الحزب سيعطيه أصواتاً «بقدر معيّن» ضمن «لعبة معيّنة»
الحزب لم يلتزم بنحّاس علناً. لا يريد للحريري أن ينكسر، أو يضعف كثيراً، في بيروت. نحّاس يعرف ذلك. ويعرف أيضاً أن شارع الحزب سيعطيه أصواتاً، "بقدر معيّن"، ضمن "لعبة معيّنة"، وسط حفلة من "الأشياء المعيّنة" التي "خبصت" جداً، أمس، أمام مراكز الاقتراع. مندوبة لـ"المشاريع" (الأحباش) تعطيك، كمواطن عابر في الشارع، لائحة الحريري، لكن تم استبدال أحد الأسماء فيها لمصلحة اسم مرشّحهم محمد مشاقة. عند الاستفسار أكثر، تقول: "يمكنك أن تضعها كلّها، وإذا أردت مرشحنا فقط فيمكنك شطب جميع الأسماء وترك اسم مشاقة". كانت واقفة، أمام جامع "ذي النورين" عند تقاطع رأس النبع ــ بشارة الخوري. في تلك الأثناء، تمرّ سيارة، تصدح منها الأناشيد الدينية، وعليها راية خضراء (مع الشهادتين) تابعة لـ"الجماعة الإسلاميّة". الجماعة حليفة الحريري، السيّارة توزّع لائحته، بما فيها من أسماء لـ"روافض" و"نصارى"... ثمّ تكمل سيرها على وقع أناشيدها الدينية. هذا لبنان. لاحقاً تظهر لائحة في الشارع، على نحو ضئيل، عليها اسم نحّاس ورفاقه الثلاثة في حملة "مواطنون ومواطنات في دولة"، إلى جانب مرشحين من لائحة الحريري ومن لوائح أخرى. ليس من السهل أن تفهم ما الذي يحصل. سرت شائعة ضد نحّاس تقول إن اللوائح التي لا تضم أسماء ثلاثية (اسم المرشح واسم والده وعائلته) لن تُقبل. لائحته ثنائية الاسم. يُسارع مساعدوه، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى نفي هذه المسألة. من سيعرف اسم والد كلّ مرشّح الآنّ!
نحّاس لا يزال في وسط بيروت. في المركز، يتابع عبر الشاشة تصريحات المسؤولين ومشاهد الشوارع والمراكز في المناطق. هنا، كأنّه يستشعر، فجأة، فقره وضعفه، فبغضب يقول: "حاولنا أن نفتح حساباً بنكيّاً للحملة، كسائر الحملات، لكن البنوك رفضتنا. ثلاثة بنوك رفضت أن تفتح لنا حساباً. لم نفلح. المال السياسي عند الآخرين هائل. انظروا إلى أقلام الاقتراع. نعود إلى موضوع رفع السريّة المصرفيّة عن الحملات، هذا يجب أن يحصل...". يتعاطف معه بارود، فيقول: "لا يوجد في هذه الانتخابات هيئة إشراف لضبط الإنفاق الإعلاني والإعلامي. القصّة فلتانة".
إنّها السابعة مساء. أغلقت صناديق الاقتراع. لا ينتظر نحّاس معجزة. إن حصلت فأهلاً وسهلاً، لكن ليس علينا انتظارها، ولا انتظار إعلان النتائج رسميّاً، ولا حتّى نتائج الفرز الأوليّة. غاية الطموح أن يكون الرجل قد نجح في حصد نسبة من الأصوات، تكون أكثر مما يتوقع الخصوم، ليستند إليها ويقول للحريري، ولكل السلطة الحاكمة منذ أمد بعيد، بمختلف نكهاتها: لستم وحدكم هنا، سنُراكِم... وإلى اللقاء في حلقة مقبلة.